Précision

Ce que que vous lisez ici, ce sont mes impressions, parfois à chaud, basées sur ma connaissance de l'histoire du pays, de sa situation présente et sur ma culture générale, toutes étant forcément limitées et, en tout cas, relatives. Ces réflexions n'engagent que ma personne, ne représentent aucun parti ou groupe organisé et ne se rapportent à aucun projet politique établi. Ce sont les simples réflexions d'un citoyen intéressé au devenir de son pays et concerné par le sort de son peuple qui voudrait apporter quelque chose à l'un et à l'autre, mais qui n'a rien d'autre à offrir à part ces cogitations.

Sunday, October 16, 2011

أَسَعدٌ أَم سُعَيْدٌ ؟ في المقدّسات وحرّيّة المعتقد

لا يهمّني في هذا المقال الفحصُ عن مقاصد مخرجة شريط سنمائيّ لم أشاهده ولا أعتقد أنّي مُشاهدُه يوما لأنّي لا أحبّ أشرطة الصّور المتحرّكة (لكلّ امرئ عيوبه)، ناهيك عن الخوض في تأويل مدلول هذا المشهد أو ذاك من مَشاهده ؛ ولا يهمّني تخمين غرض القناة الّتي بثّته من بثّه، وشأنها عندي إلى الشّكّ والتّوجّس وسوء الظّنّ أدعى، ومَن ذا العاقل الّذي يُنزِّه أيّا ممّن نالوا مَرضاةَ الطّاغية الذّاهب وعِترتِه وتَمرّغوا في نعمائه ؟، فما بالك بالذّود عن أصحابها الّذين ما لبثوا أن انضمّوا إلى صفّ مُؤاخذيهم، يُسابقونهم إلى تقريع أنفسهم وتشنيع فِعلتهم صاغرين نادمين تائبين حيث لا تنفع توبةٌ... كما أنّي لن أخوض في أمر التّمثيل والتّجسيم وحُكمه عند أهل العقيدة وأصحاب المذاهب فضلا عن عموم أهل المِلَّة، وإن كان في جميع ذلك مجال واسع للقول، إلاّ أنّ أهل مكّة أدرى بشعابها...
سأُعرِض عن كلّ ما سلف وأكتفي بمُساءلة مفهوم "المقدّس" الّذي لا ينبغي المَساسُ به حسب السّاخطين والمحتجّين واللاّئمين والمُحرَجين ومدى إمكان تعايُشِ ذلك المفهوم مع مفهوم الحرّيّة لا سيّما حرّية الاعتقاد والفكر والتّعبير (وهي أهمّ من حرّيّة الإبداع) في الذّهن الواحد والخطاب الواحد، ذهنهم وخطابهم.
عادةُ المُجنَّدين للذَّود عن الإسلام وأهله في ديارنا وفي غيرها من الدّيار والرّبوع كُلّما أنكَروا قَولا أو عملا أن يسارعوا إلى رَجم القائل أو الفاعل بانتهاك "المقدّسات"، وأوّلُ ما يُحيّرُ المَرءَ في هذا المفهوم ما يحيط به من غموض وإبهام، أو لِنَقُل على الأقلّ إنّه مفهوم واسعٌ تكاد تَعدِل سِعَتُه سِعَةََ رحمةِ الرحمان ؛ فتلك المقدّسات قد تكون عقيدةً أساسيّة أو فرعيّة حينا وحُكما شَرعيّا حينا آخرَ وصورةََ عَلَمٍ من أعلام التّاريخ الإسلاميّ أو سِيرتَه حينا ثالثا، منها أركانُ الإسلام من إيمانٍ باللّه والملائكةِ والرُّسلِ واليومِ الآخِر وشَعائرَ وعباداتٍ، سَلّمْنا ؛ ومنها تَعالي النّصِّ القرآنيّ على أيّةِ قراءةٍ أو تأويلٍ فضلا عن النّظر أو المساءلة إلاّ ما ارتَضى لنا المُرتَضون، فَليَكُن ؛ ومنها الحُدودُ الّتي تعلمون، حَدُّ الكفر وحدُّ السّرقة وحدُّ الزّنى... ومنها قصّةُ الخَليقةِ ووجودُ الجنّ والمعجزاتُ والكراماتُ وصِفَةُ الأنبياء وسِيَرُ الصّحابة وإن ناقض بعضُها بعضا، وإن قاتل بعضُهم بعضا ؛ ومنها أحاديثُ الرّسول وأخبارُه كما رواها هؤلاء أو كما رُوِيَت عنهم عَشَراتٍ أو مئات أو آلافًا مُؤلَّفة... فهلاّ مَنْ يُعَدِّدُ لنا المقدّسات من كلّ هذا ومن غيره ممّا لا يجوز الخوض فيه أو حتّى مُلامستُه أو الاقترابُ منه ويَحصِرُها ويَضبِطُها فنعلَمَ أين تنتهي حُرّيتُنا إن كان لها مُبتدَأٌ أصلا ؟
قُلتُم تلك مقدّساتُ الإسلام وتونسُ دار إسلامٍ أو يُفتَرَضُ أن تكون كذلك لأنّ الأغلبيّةَ الغالبة من سُكّانها مسلمون، قلنا سَلَّمْنا، غير أنّ ثَمَّ قِلَّةً قَليلَة ليست على المِلَّةِ أو ليسَت على مِلَّةٍ، وسَواءٌ أكان شأنُها هذا أم ذاك فمقدّساتُها لا جَرَمَ غير مقدّساتِكُم أو قُلْ إنّ مقدّساتِكم ليست مقدّساتٍ عندّها، فهل تُلزِمونها ما لا يَلزَمُها ؟ ثمّ إنّ الإسلامَ عامّةً لا رَيبَ دينُ الأغلبيّة، ولا خلافَ بين المؤمنين به في تَقدُّسِ الذّاتِ العَلِيَّةِ والكِتابِ والرّسولِ والأركانِ والعقائد الأساسيّة، لَكِن ماذا عن الفروع والدَّقائق والتّفاصيل الّتي قد تَرَونَ فيها رأيًا ويرى غيرُكُم مِنكُم مَعشَرَ المسلمين رأيا، وتَعُدّونها مُقدَّسَةً في صورتِها الّتي ترون ويَعُدّونها مقدّسة في صورتها الّتي يرَون أو هم لا يُسبِغون عليها ما تُسبِغون من قداسةٍ، فما العملُ فيما يُقدِّسُ بعضُكم دونَ بعضٍ ؟ أَفَإسلامُ عائشَةَ أَم إسلامُ عَلِيّ وإسلامُ أبي حَنيفَةَ أم إسلامُ ابنِ حَنبَلٍ بَل إسلامُ ابنِ عبد الوهّابِ أم النَّبهانيِّ أمِ الشّيخِ راشدٍ، أَم هو إسلامُ رَهْطِ المُعتَدِلينَ والتَّقدُّمِيّين الّذين دَعَوا هُم الآخَرون إلى  احترام المقدّسات أَم ذاكَ المُعتَذِرِ الّذي "صُدِمَ في إيمانِهِ وأُحرِجَ بَينَ أهلِهِ" ؟
قد رأيتُكم كُلَّكم أو جُلَّكم تُعلنون التزامَكم بالدّفاع عن حرّيّة المعتقد والرّأي والتّعبير أو على الأقلّ احترامها قَدرَ حِرصكم على احترام المقدّسات أو صَونِها، وَلَستُ مكَذِّبا شيئا مِمّا تُبدون، ولَكِنْ باللّه عليكُم نَبِّؤوني أَنَّى لَكمُ الجَمعُ بينَ الأمرَين ؛ كيف لكم أن تَرعَوا أيَّ اختِلافٍ في المُعتَقَد وأنتُم تُؤمنون أنّ عقيدتَكم هي الحقُّ وما عداها باطلٌ وأنّكم وَحدَكم المؤمنون ومَن عداكم كافرون ؟ أَلَم يَأْتِ في كتابكم وعلى ألسِنَة أئمّمتكُم وفقهائكم أنّ شريعَتَكُم ناسِخَةٌ لِسائر الشّرائع جابَّةٌ لما قبلَها وأنّ تلك الشّرائع السّابقةَ قَد بُدِّلَتْ وحُرِّفَت كُتُبها ؟ فكيف يتأتّى لكم احترامُ عقائدِ أتباعِها الّذين لَم يُبَدِّلوها ويُنكِرون ما ادّعَيتُم عليهِم من تحريف وتزوير، بَل عِندَهُم أنّ كُتُبَهم وعقائدَهم هي الحقُّ وأنتم المزوّرون المحرّفون ؟ اِنسَوْا أو تَناسَوا تلك الشّابّة الأعجَمِيّة الّتي سوّلت لها نفسُها تشخيص العَليّ العزيز إلى حينٍ وخبّروني ما تقولون في قومٍ يَزعُمون أنّ الذَّبيحَ المُفتَدى هو جَدُّهم لا جَدُّكم وأنّهم هم خيرُ أُمَّة أُخرِجَت للنّاس، وآخرين إلاهُهم واحدٌ في ثلاثةٍ أو ثلاثةٌ في واحد، ابنٌ وأبٌ ورُوحٌ قُدُس، لا شَبَهَ بينه وبين إلاهكم الواحدِ الصَّمَدِ الّذي لم يَلِد ولم يُولَد، ألا تكون عقائدُهم الّتي يَجهَرون بها في كُتُبِهِم ومقالاتِهِم ومناسباتِهِم أَخرَقَ لمقدَّساتكم مِمّا حُيِّلَ لتلك البٌنَيَّة مِن خَيالٍ مِن تَرائي الخالقِ لها ومناجاتِها له ؟ هل تُراكُم تَدَعونهُم يُدَنِّسون مقدّساتِكم ويُشوّهون عقائدَكم احتراما لحقّهم في حرّيّة المُعتقَد أم تُخرِسونهم وتُحرقون كتٌبَهم صَونا لمقدّساتكم أو تَقتُلونهم حَيثُ تَثقِفونَهُم لِقاءَ ما اقتَرفوا مِن ذَنبٍ عظيم ؟ إمّا هذه أو تلك، فهيهاتَ أن تَجمَعوا بَين النَّقيضَين... لاحِظوا أنّي وقفتُ عند أهلِ الكِتاب ولم أذكُر أشياع بوذا أو مَن لا إلاهَ لَهُم البتَّةَ.
أَنْ تكونَ لَكُم عقائدُكم الّتي تُجِلُّونها وبها تُؤمِنون وتٌقَدِّسون منها ما تُقَدِّسون ولا تَقبَلوا فيها مُجادَلةَ مُجادِلٍ، فذاك ما لا يُنكِرُه عَلَيكُم إلاّ مُكابِرٌ أو سَفيهٌ، وإن كُنتُم قٍلّةً، فما بالُكُم وأنتم الأكثَرون ! أمّا أن تُلزِموها غيرَكم الّذي لا يؤمنُ بها أو يؤمن دونَ أن يَعُدَّها في عِداد المُقَدَّسِ الّذي لا ينبغي المَساسُ به أو تُكَفِّروه فتُحرِقوه أو تَذبحوه أو تُهدِروا دَمَه وأنتم تزعُمون أنّكم تقدّرون حرّيّة المعتقد وأنّكم لها حافظون فذا ظُلمٌ وبُهتانٌ مُبين ؛ أَم تقولون لهم اعتَقِدوا ما شئتُم على أن تحفَظوه في صدورِكُم ولا تَجهَروا به إلاّ أن تَعتَدوا علينا وعلى عقائدنا ومقدّساتنا، أَفَلا تَرَون كَيْفَ تَجهَرون بعقائدكم الّتي هي على نَقيضٍ من عقائدِهِم، بَل تَرمونَهُم بالكُفر والافتِراء والفِسق، أفَلَستُم مُعتَدين وبمقدّساتهم بَل بِهِم مُنَكّلين ؟
اُمكُثوا على عقائدكم وصونوا مقدّساتكُم بَينَكُم ودعوا الخلقَ للخالِق فيَلحَقوا بِكُم أو يَمكُثوا على عقائدهم ويَبقَوا على مُقَدّساتِهِم أو مُدَنّساتِهِم، وأَوفوا الوَعدَ الّذي كنتُم تَعِدون، أو سُلّوا سُيوفَكُم في وَجه كلِّ مَن خالَفَكُم واقتُلوهُم حيثُ ثَقٍفتُموهُم، فيَعلَمَ القَومُ أيَّ مُنقَلَبِ هُم غدا مُنقَلِبون.